فصل: حكمة قتل المرتد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.حكمة قتل المرتد:

الإسلام منهج كامل للحياة فهو: دين ودولة، وعبادة، وقيادة، ومصحف وسيف، وروح ومادة، ودنيا وآخرة، وهو مبني على العقل والمنطق، وقائم على الدليل والبرهان، وليس في عقيدته ولا شريعته ما يصادم فطرة الإنسان أو يقف حائلا دون الوصول إلى كماله المادي والأدبي - ومن دخل فيه عرف حقيقته، وذاق حلاوته، فإذا خرج منه وارتد عنه بعد دخوله فيه وإدراكه له، كان في الواقع خارجا على الحق والمنطق، ومتنكرا للدليل والبرهان، وحائدا عن العقل السليم، والفطرة المستقيمة.
والإنسان حين يصل إلى هذا المستوى يكون قد ارتد إلى أقصى دركات الانحطاط، ووصل إلى الغاية من الانحدار والهبوط، ومثل هذا الإنسان لا ينبغي المحافظة على حياته، ولا الحرص على بقائه - لأن حياته ليست لها غاية كريمة ولا مقصد نبيل.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الإسلام كمنهج عام للحياة، ونظام شامل للسلوك الإنساني، لاغنى له من سياج يحميه، ودرع يقيه، فإن أي نظام لا قيام له إلا بالحماية والوقاية والحفاظ عليه من كل ما يهز أركانه، ويزعزع بنيانه، ولاشئ أقوى في حماية النظام ووقايته من منع الخارجين عليه، لأن الخروج عليه يهدد كيانه ويعرضه للسقوط والتداعي.
إن الخروج على الإسلام والارتداد عنه إنما هو ثورة عليه والثورة عليه ليس لها من جزاء إلا الجزاء الذي اتفقت عليه القوانين الوضعية، فيمن خرج على نظام الدولة وأوضاعها المقررة.
إن أي انسان سواء كان في الدول الشيوعية، أم الدول الرأسمالية - إذ اخرج على نظام الدولة فإنه يتهم بالخيانة العظمى لبلاده، والخيانة العظمى جزاؤها الاعدام.
فالإسلام في تقرير عقوبة الاعدام للمرتدين منطقي مع نفسه ومتلاق مع غيره من النظم.

.استتابة المرتد:

كثيرا ما تكون الردة نتيجة الشكوك والشبهات التي تساور النفس وتزاحم الايمان، ولابد أن تتهيأ فرصة للتخلص من هذه الشبهات والشكوك، وأن تقدم الادلة والبراهين التي تعبد الايمان إلى القلب، واليقين إلى النفس، وتريح ما علق بالوجدان من ريب وشكوك.
ومن ثم كان من الواجب أن يستتاب المرتد ولو تكررت ردته، ويمهل فترة زمنية يراجع فيها نفسه، وتفند فيها وساوسه وتناقش فيها أفكاره، فإن عدل عن موقفه بعد كشف شبهاته، ورجع إلى الإسلام وأقر بالشهادتين واعترف بما كان ينكره، وبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام، قبلت توبته، وإلا أقيم عليه الحد.
وقد قدر بعض العلماء هذه الفترة بثلاثة أيام، وترك بعضهم تقدير ذلك وإنما يكرر له التوجيه ويعاد معه النقاش حتى يغلب على الظن أنه لن يعود إلى الإسلام، وحينئذ يقام عليه الحد والذين رأوا تقدير ذلك بالايام الثلاثة اعتمدوا على ما روي: أن رجلا قدم إلى عمر رضي الله عنه من الشام، فقال هل من مغربة خبر.
قال: نعم. رجل كفر بعد إسلامه.
فقال عمر: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه قال: هلا حبستموه في بيت ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله: اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني: اللهم إني أبرأ إليك من دمه رواه الشافعي.
والذين ذهبوا إلى القول الثاني استندوا إلى ما رواه أبو داود: أن معاذا قدم اليمن على أبي موسى الاشعري وقد وجد عنده رجلا موثقا فقال: ماهذا؟ قال: رجل كان يهوديا فأسلم، ثم رجع إلى دينه دين اليهود فتهود فقال: لا أجلس حتى يقتل ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكرر ذلك ثلاث مرات فأمر به فقتل، وكان أبو موسى قد استتابه قبل قدوم معاذ عشرين ليلة، أو قريبا منها.
ومن طريق عبد الرازق: أنهم أرادوه على الإسلام شهرين.
قال الشوكاني: واختلف القائلون بالاستتابة.
هل يكتفي بالمرة؟ أو لابد من ثلاث، وهل الثلاث في مجلس واحد أو في ثلاثة أيام، ونقل ابن بطال عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه يستتاب شهرا، وعن النخعي يستتاب أبدا أحكام المرتد: إذا ارتد المسلم ورجع عن الإسلام تغيرت الحالة التي كان عليها.
وتغيرت تبعا لذلك المعاملة التي كان يعامل بها كمسلم، وثبتت بالنسبة له أحكام نجملها فيما يأتي:

.1- العلاقة الزوجية:

إذا ارتد الزوج أو الزوجة انقطعت علاقة كل منهما بالآخر لأن ردة أي واحد منهما موجبة للفرقة بينهما، وهذه الفرقة تعتبر فسخا، فإذا تاب المرتد منهما وعاد إلى الإسلام، كان لابد من عقد ومهر جديدين، إذا أرادا استئناف الحياة الزوجية.
ولايجوز له أن يعقد عقد زواج على زوجة أخرى من أهل الدين الذي انتقل إليه، لأنه مستحق القتل.

.2- ميراثه:

والمرتد لا يرث أحدا من أقاربه إذا مات، لأن المرتد لادين له، وإذا كان لادين له فلا يرث قريبه المسلم، فإن قتل هو أو مات ولم يرجع إلى الإسلام، انتقل ما له هو إلى ورثته من المسلمين لأنه في حكم الميت من وقت الردة.
وقد أتي علي بن أبي طالب بشيخ كان نصرانيا فأسلم، ثم ارتد عن الإسلام فقال له علي: لعلك إنما ارتددت لأن تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الإسلام؟ قال: لا قال: فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها، فأردت أن تتزوجها ثم تعود إلى الإسلام؟ قال: لا قال: فارجع إلى الإسلام قال: لا. حتى ألقى المسيح فأمر به فضربت عنقه فدفع ميراثه إلى ولده من المسلمين.
قال ابن حزم: وعن ابن مسعود بمثله.
وقالت طائفة بهذا، منهم: الليث بن سعد، وإسحاق بن راهويه.
وهذا مذهب أبي يوسف، ومحمد، وإحدى الروايات عن أحمد.

.3- فقد أهليته للولاية على غيره:

وليس للمرتد ولاية على غيره، فلا يجوز له أن يتولى عقد تزويج بناته ولا أبنائه الصغار، وتعتبر عقوده بالنسبة لهم باطلة، لسلب ولايته لهم بالردة.

.مال المرتد:

الردة لا تقضي على أهلية المرتد للتملك، ولا تسلبه حقه في ماله، ولا تزيل يده عنه، ويكون مثله في ماله مثل الكافر الاصلي، وله أن يتصرف في ماله كما يشاء.
وتصير تصرفاته نافذة لاستكمال أهليته، وكونه مستحق القتل لا يسلبه حقه في التملك والتصرف، لأن الشارع لم يجعل للمرتد عقوبة سوى عقوبة القتل حدا، ويكون في ذلك كمن حكم عليه بالقصاص أو بالرجم.
فإن قتله قصاصا أو رجما لا يسلبه حقه في الملكية، ولا يزيل يده عن ماله.

.لحوقه بدار الحرب:

وكذلك يبقى ماله مملوكا له إذ الحق بدار الحرب، ويوضع تحت يد أمين، لأن لحوقه بدار الحرب لا يسلبه حقه في الملكية.

.ردة الزنديق:

قال أبو حاتم السجستاني وغيره: الزنديق فارسي معرب أصله: زنده كرو أي يقول بدوام الدهر، ثم قال: قال ثعلب: ليس في كلام العرب زنديق، وإنما يقال: زندقي لمن يكون شديد التحيل، وإذا أرادوا ما تريد العامة قالوا: ملحد ودهري أي يقول بدوام الدهر.
وقال الجوهري: الزنديق من الثنوية.
وقال الحافظ ابن حجر: التحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل: أن أصل الزندقة أتباع ديصان، ثم ماني، ثم مزدك.
وقال النووي: الزنديق الذي لا ينتحل دينا.
وقال في المسوى ملخصا: إن المخالف للدين الحق أن لم يعترف به ولم يذعن له ظاهرا ولاباطنا، فهو الكافر.
وإن اعترف بلسانه، وقلبه على الكفر فهو المنافق.
وإن اعترف به ظاهرا وباطنا لكنه يفسر بعض ما ثبت من الدين ضرورة بخلاف ما فسره الصحابة والتابعون، وأجمعت عليه الأمة فهو الزنديق، كما إذا اعترف بأن القرآن حق، وما فيه من ذكر الجنة والنار حق، لكن المراد بالجنة الابتهاج الذي يحصل بسبب الملكات المحمودة، والمراد بالنار، هي الذامة التي تحصل بسبب الملكات المذمومة، وليس في الخارج جنة ولا نار، فهو الزنديق.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أولئك الذين نهاني الله عنهم» هو في المنافقين دون الزنادقة ثم قال: وإن الشرع كما نصب القتل جزاء للارتداد ليكون مزجرة للمرتدين، وذبا عن الملة التي ارتضاها، فكذلك نصب القتل جزاء للزندقة، ليكون مزجرة للزنا دقة، وذبا عن تأويل فاسد في الدين لا يصح القول به. قال: ثم التأويل تأويلان: تأويل لا يخالف قاطعا من الكتاب والسنة واتفاق الأمة. وتأويل يصادم ما ثبت بقاطع، فذلك الزندقة. فكل من أنكر الشفاعة، أو أنكر رؤية الله تعالى يوم القيامة، أو أنكر عذاب القبر، وسؤال المنكر والنكير، أو أنكر الصراط والحساب، سواء قال: لا أثق بهؤلاء الرواة.
أو قال: أثق بهم، لكن الحديث مؤول، ثم ذكر تأويلا فاسدا لم يسمع من قبله، فهو الزنديق.
وكذلك من قال في الشيخين أبي بكر وعمر مثلا: ليسا من أهل الجنة، مع تواتر الحديث في بشارتهما، أو قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبوة، ولكن معنى هذا الكلام أنه لا يجوز أن يسمى بعده أحد بالنبي.
وأما معنى النبوة وهو كون إنسان مبعوثا من الله تعالى إلى الخلق مفترض الطاعة، معصوما من الذنوب، ومن البقاء على الخطأ فيما يرى، فهو موجود في الائمة بعده، فذلك هو الزنديق، وقد اتفق جمهور المتأخرين من الحنفية والشافعية على قتل من يجري هذا المجرى، والله أعلم. اهـ.

.هل يقتل الساحر:

يتفق العلماء على أن للسحر أثرا، وعلى كفر من يعتقد حله، ويختلفون في أن له حقيقة، أو أنه تخيل، كما يختلفون في السحر: هل هو كفر أو ليس بكفر؟ وتبع ذلك اختلافهم في الساحر.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يقتل الساحر بتعلم السحر، وبفعله، لكفره، دون استتابة.
وقال الشافعية والظاهرية: إن كان الفعل أو الكلام الذي يسحر به كفرا، فالساحر مرتد، ويجري عليه حكم الردة، إلا أن يتوب.
وإن كان ليس كفرا فلا يقتل، لأنه ليس كافرا، وإنما هو عاص فقط.
والظاهر أن السحر معصية من كبائر الاثم، وأن الساحر لا يقتل بسحره، إلا إذا اعتقد حله، فيكون مرتدا، لا بسحره، ولكن باستحلال ما حرم الله.
روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، فقيل: يارسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وأكل ما اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات».
قال ابن حزم، بعد أن ناقش أدلة القائلين بكفره، ووجوب قتله: وصح أن السحر ليس كفرا، وإذا لم يكن كفرا، فلا يحل قتل فاعله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، ونفس بنفس.
فالساحر ليس كافرا كما بينا ولا قاتلا، ولا زانيا محصنا، ولا جاء في قتله نص صحيح، فيضاف إلى هذه الثلاث، كما جاء في المحارب.
ثم قال: فصح تحريم دمه بيقين لا شك فيه، ورأى الشيعة أن الساحر مرتد وحكمه حكم المرتد.

.الكاهن والعراف:

يرى الإمام أبو حنيفة أن الكاهن والعراف يستحقان القتل؟ لقول عمر: اقتلوا كل ساحر وكاهن.
وفي رواية عنه: انهما إن تابا لم يقتلا.
ويرى متقدم والأحناف أن الكاهن أو العراف إن اعتقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر.
وإن اعتقد أنه تخيل لا حقيقة له، لم يكفر.